فصل: من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن القيم:

قوله الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}
متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيديه وأن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده ولا يقدر عليه وقوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} متضمن لكنز عظيم وهو أن كل مراد إن لم يرد لأجله ويتصل به وإلا فهو مضمحل منقطع فإنه ليس إليه المنتهى وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فهو غاية كل مطلوب وكل محبوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعذاب وكل عمل لا يراد لأجله فهو ضائع وباطل وكل قلب لا يصل إليه فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه فاجتمع ما يراد منه كله في قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه واجتمع ما يراد له كله في قوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} فليس وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليها المنتهى.
وتحت هذا سر عظيم من أسرار التوحيد وهو أن القلب لا يستقر ولا يطمئن ويسكن إلا بالوصول إليه وكل ما سواه مما يحب ويراد فمراد لغيره وليس المراد المحبوب لذاته إلا واحد إليه المنتهى ويستحيل أن يكون المنتهى إلى اثنين كما يستحيل أن يكون ابتداء المخلوقات من اثنين فمن كان انتهاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غيره بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج ما كان إليه ومن كان انتهاء محبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعمه ولذته وبهجته وسعادته أبد الآباد.
العبد دائما متقلب بين أحكام الأوامر وأحكام النوازل فهو محتاج بل مضطر إلى العون عند الأوامر وإلى اللطف عند النوازل وعلى قدر قيامه بالأوامر يحصل له من اللطف عند النوازل فإن كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في الظاهر وقل نصيبه من اللطف في الباطن. فإن قلت وما اللطف الباطن فهو ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والاضطراب والجزع فيستخذى بين يدي سيّده ذليلا له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من الألم وقد غيّبه عن شهود ذلك معرفته بحسن اختياره له وأنه عبد محض يجري عليه سيّده أحكامه رضي أو سخط فإن رضي نال الرضوان وإن سخط فحظه السخط فهذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها. اهـ.

.من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار
هذة الآية الكريمة جاءت في بداية الخمس الثاني من سورة الحجر وهي سورة مكية، نزلت بين عام الحزن وعام الهجرة، ولذلك فقد جاءت السورة الكريمة بروح التثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة عناد ومكابرة كفار قريش له، وتكذيبهم ببعثته الشريفة، وتشكيكهم في الوحي الذي جاءه من ربه، واتهامهم له زورا بالجنون، وهم أعرف الناس برجاحة عقله، وعظيم خلقه، وشرف نسبه، ولذلك فإن محور السورة الرئيسي يدور حول إبراز طبيعة المكذبين بدين الله الحق الإسلام، ودوافعهم لتكذيبه، وحول التأكيد علي سنن الله التي لا تتخلف ولا تتوقف عن عقاب المكذبين، في كل زمان وفي كل مكان، واستعراض مصارع عدد من هؤلاء الطغاة الكافرين، والمشركين، والمكذبين، المفسدين في الأرض بغير حق، والمتجبرين علي الخلق، لعله يكون في ذلك عبرة للمعتبرين في كل وقت وفي كل حين!! وعدد آيات سورة الحجر تسع وتسعون؛ وقد سميت بهذا الاسم لذكر الحجر في الآية الثمانين منها، وهي مدائن صالح، ديار قبيلة ثمود، وهي عبارة عن بيوت منحوتة في الصخر الثابت علي جانبي الوادي، أو المجلوب إلي بطن الوادي، وهي الآن خربة، تقع إلي الشمال الغربي من المدينة المنورة علي الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك.
وتستهدف سورة الحجر التذكير بالمقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية، وقد استهلت بثلاثة من الحروف المقطعة وهي الر، والحروف المقطعة المعروفة باسم الفواتح الهجائية تتكون من أربعة عشر حرفا، أي تضم نصف حروف الهجاء الثمانية والعشرين، وقد وردت في أربع عشرة صيغة، افتتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم، وقد جمعها بعض علماء السلف في عبارة مبهرة تقول: نص حكيم قاطع له سر وهو وصف للقرآن الكريم، وقد حاول عدد غير قليل من علماء المسلمين استجلاء كنه هذه الفواتح الهجائية، وتوقف العدد الأكبر عن الخوض فيها، واكتفي بتفويض أمرها إلى الله سبحانه وتعالى، معتبرا إياها سرا من أسرار القرآن الكريم لم يتم اكتشافه بعد.
وتنتقل السورة الكريمة إلي الإشادة بكتاب الله وآياته، وروعة بيانه، ووضوح دلالاته، وتتابع بتهديد جازم للجاحدين من الكفار والمشركين بمشهد الآخرة، وهم يعانون أهوالها، وقد استبان لهم الحق فيتمنون لو كانوا في الدنيا من المسلمين!!
ومن قبيل التهوين من صلف هؤلاء الجاحدين تطلب الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعهم في غيهم يأكلون ويتمتعون، ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من شقاء في الدنيا، وعذاب مهين في الآخرة جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم!!
وهذا التهديد والوعيد من الله تعالى لهؤلاء الكفار والمشركين ولأمثالهم من التابعين لهم يليه مباشرة تذكير بمصائر غيرهم من الأمم الظالمة، البائدة، التي لم يهلك الله تعالى أيا منها إلا وجعل لهلاكها أجلا محددا.
وتذكر الآيات في سورة الحجر تحديات كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزاءهم به، واستنكارهم لبعثته الشريفة حتي طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة، ليشهدوا علي صدق نبوته، وترد الآيات عليهم بأن الملائكة لا تنزل إلا بالحق، وأن من هذا الحق أن يدمر الله سبحانه وتعالى المكذبين بآياته ورسله بعد أن جاءتهم نذره!!
وتؤكد سورة الحجر أن الله تعالى هو الذي أنزل القرآن العظيم، وهو سبحانه الذي تعهد بحفظه فحفظ بصفائه الرباني، ولغة وحيه العربية علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا، وإلي أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، فلا يمكن لتحريف أن يطوله، ولا لتبديل حرف واحد أن يصيبه، ولا لضياع أن يغيبه، وهذا الحفظ الرباني لآخر الكتب السماوية وأتمها وأكملها لهو بحق من أعظم المعجزات لهذا الكتاب الرباني الخالد الذي كذب به كفار قريش، كما يكذب به كفار هذا الزمن ومشركوه وملاحدته!!
ومن قبيل تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهوين الأمر عليه وعلي أتباعه الصالحين في كل زمان ومكان، تذكر الآيات أن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم لم يكن منفردا دون غيره من رسل الله بجحود قومه وتكذيبهم ومكابرتهم، وعنادهم واستهزائهم، فما من نبي ولا من رسول سبقه إلا وتعرض لذلك وأشد منه، فاستحقت أقوامهم المكذبة عقاب الله في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأنكي!! وذلك لأنهم لم يكن ينقصهم الدليل المنطقي على صدق الوحي، وعلي ضرورة الإيمان به، ولكنه الصلف، والعناد، والمكابرة في مقابلة الحق!!
وتصور لنا الآيات في أول سورة الحجر نموذجا صارخا لمكابرة أهل الباطل، وعنادهم في مواجهة الحق، وفي ذلك يقول ربنا-تبارك وتعالى-: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} [الحجر:15,14].
وفي وصف سورة الحجر بطبيعة المكذبين بهذا الدين، ودوافعهم لتكذيبه عن عناد لا عن نقص في أدلة الإيمان، وتصوير مصارعهم ومصائرهم المروعة، تؤكد سنن الله التي لا توقف ولا تتخلف أبدا في جزاء المؤمنين وعقاب المكذبين؛ وتستعرض عددا من آيات الله في الكون، وفي الحياة والموت لدحض دعاوي المكذبين؛ وتذكر بخلق آدم عليه السلام، وبسجود الملائكة له، وبقصة الشيطان الرجيم معه، ومحاولة غوايته له، وللغافلين من ذرية آدم من بعده إلى يوم الدين، كما تعرض لأصل الهدي والضلال في هذه الحياة الدنيا وجزاء كل منهما. ثم تستعرض بشيء من التفصيل مصارع المكذبين من أقوام كل من أنبياء الله: لوط وشعيب وصالح علي رسولنا وعليهم من الله السلام، وتعرض لشيء من رحمات الله مع كل من نبييه إبراهيم ولوط علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام.
وتتحدث سورة الحجر في خواتيمها عن خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، وتؤكد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله تعالى هو الخلاق العليم، وتوصي بعدد من الوصايا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها أن يعلن أنه صلى الله عليه وسلم هو النذير المبين، وأن يصدع بما يؤمر، وأن يعرض عن المشركين، فإن الله تعالى قد كفاه سفه المستهزئين من الكفار والمشركين الذين كانت سفاهتهم تؤذي مشاعره وتؤلمه صلى الله عليه وسلم فيضيق صدره، وتوصيه الآيات أن يفزع إلى الله تعالى كلما أصابه شيء من ذلك، وأن يعبد الله تعالى حتي يأتيه اليقين!!
وسورة الحجر في خطابها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هي خطاب للقائمين علي الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان خاصة في زماننا الحالي زمن الغطرسة والكبر لأهل الكفر والشرك والضلال وفي مقدمتهم الأمريكيون والبريطانيون، وضيعتهم الحركة الصهيونية العالمية وشياطينها المحتلون لأرض فلسطين العربية المسلمة، فملأوها ظلما وجورا وفسادا علي مدي نصف قرن أو يزيد قليلا، والذين ندعو الله تعالى أن يطهر الأرض من رجسهم ودنسهم في أقرب وقت ممكن إن شاء الله رب العالمين آمين آمين آمين يارب العالمين، وكما هددت سورة الحجر المكذبين من الكفار والمشركين في زمن الوحي، وتوعدتهم بمصارع الغابرين فإنها تتهدد كفار ومشركي اليوم وإلي قيام الساعة بمثل عقاب الغابرين الهالكين!!!

.والآيات الكونية والتاريخية التي استشهدت بها سورة الحجر تشمل ما يلي:

(1) إثبات أن السماء بناء محكم شاسع الاتساع.
(2) تسمية الحركة في السماء بالعروج.
(3) إثبات أن الكون يغشاه الظلام الدامس في أغلب أجزائه وأن طبقة نور النهار طبقة رقيقة للغاية.
(4) الإشارة إلي بروج السماء، وإلي حفظها من كل شيطان رجيم.
(5) الإشارة إلي شيء من وظائف الشهب.
(6) الإشارة إلي كروية الأرض بذكر مدها لأن المد إلي ما لا نهاية هو قمة التكوير.
(7) ذكر إرساء الأرض بالجبال.
(8) إثبات كل شيء موزون في الأرض.
(9) إعداد المعايش للإنسان والحيوان والنبات علي الأرض بمعني تهيئة الأرض لاستقبال الحياة بمختلف صورها.
(10) إثبات أن خزائن كل شيء عند الله وما ينزله إلا بقدر معلوم.
(11) إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا الإنسان والحيوان والنبات وتخزين جزء من ماء المطر في صخور الأرض.
(12) إثبات الإحياء من العدم والإماتة والبعث لله الحي الذي لا يموت.
(13) خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وخلق الجان من نار السموم.
(14) خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق.
(15) نسبة الخلق كله إلى الله الخلاق العليم.
(16) الإنباء بطرف من قصص كل من آدم، وإبراهيم، وأقوام عدد من أنبياء الله منهم لوط، وشعيب، وصالح علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقال ولذلك فسوف أقتصر هنا علي قضية إرسال الرياح لواقح للسحب من أجل إنزال ما بها من بخار الماء علي هيئة ماء المطر لسقيا كل من الإنسان والحيوان والنبات، وهي قضية لم يتوصل الإنسان إلي فهمها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها من قبل اثني عشر قرنا هو من آيات الإعجاز العلمي فيه، وقبل الدخول إلي ذلك أوجز أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة.

.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالي: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} [الحجر:22]:

ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: {وأرسلنا الرياح لواقح} أي تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها، وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم، فإن أفردها وصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج، وقال أعمش، عن عبدالله بن مسعود في قوله تعالي: {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء، ثم تمر مر السحاب حتي تدر كما تدر اللقحة، وقال الضحاك: يبعثها الله علي السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء، وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثم تلا: {وأرسلنا الرياح لواقح}.
وقوله تعالي {فأسقيناكموه} أي أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه.
وقوله: {وما أنتم له بخازنين}، قال سفيان الثوري: بما نعين؛ ويحتمل أن المراد: وما أنتم له بحافظين، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع في الأرض، ولو شاء الله تعالى لأغاره وذهب به، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا وحفظه في العيون والآبار والأنهار، ليبقي لهم طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم....
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله ما نصه: {وأرسلنا الرياح لواقح} تلقح السحاب فيمتلئ ماء {فأنزلنا من السماء} السحاب {ماء} مطرا {فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} أي: ليست خزائنه بأيديكم {أو لستم أنتم الخازنين له}.
وجاء في الظلال ما نصه:
{أرسلنا الرياح لواقح بالماء} كما تلقح الناقة بالنتاج؛ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح، فأسقيناكموه فعشتم به: {وما أنتم له بخازنين} فما من خزائنكم جاء، إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم.
والرياح تنطلق وفق نواميس كونية، وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس؛ وتسقط الماء كذلك بحسبها ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس؟ لقد قدره الخالق، ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر.
وجاء في الهامش: أراد بعضهم أن يفسر لواقح هنا بالمعني العلمي الذي كشف وهو أن الرياح تحمل اللقاح من شجرة إلي شجرة، ولكن السياق هنا يشير إلي أنها لواقح بالماء دون سواه....
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن رحم الله كاتبه رحمة واسعة ما نصه: {وأرسلنا الرياح لواقح} حوامل، جمع لاقح بمعني حامل؛ لحملها الماء والتراب بمرورها عليهما، وحملها السحاب وسوقه واستدراره، وهي ملقحة تلقح السحاب بما تمجه فيها من بخار الماء....
وذكر كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزاهم الله خيرا ما نصه: قد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات، وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم، وأن ذلك خاضع لإرادتنا ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتي يصير عنده كالخزائن.
وجاء في الهامش هذا التعليق: سبقت هذه الآية ما وصل إليه العلم من أن الرياح عامل مهم في نقل حبوب اللقاح إلي الأعضاء المؤنثة في النبات ليتم بذلك عقد الثمار، كما أنه لم يعرف إلا في أوائل القرن الماضي القرن العشرين أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر إذ إن نويات التكاثف أو النويات التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء لتكون نقطا من الماء نامية داخل السحب هي المكونات الأولي من المطر تحملها الرياح إلي مناطق إشارة السحاب وقوام هذه النويات أملاح البحار وما تذروه الرياح من سطح الأرض والأكاسيد والأتربة ونحوها كلها لازمة للإمطار.
لقد ثبت في العلم حديثا أن للمطر دورة مائية، تبدأ بتبخر المياه من سطح الأرضـ والبحر ثم تعود إليه مرة ثانية علي نحو ما سلف ذكره، فإذا ما نزل المطر استقي منه كل حي علي الأرض كما تستقي منه الأرض نفسها، ولا يمكن التحكم فيه لأنه بعد ذلك يتسرب من الأحياء ومن الأرض إلي التبخر، ثم تبدأ الدورة ثانية بالتبخر وهكذا دواليك، ومن هذا يستبين معني الآية في قوله تعالي {وما أنتم له بخازنين} أي: ما نعيه من النزول من السماء ولا التسرب إليها علي صورة البخار....
وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبه خيرا ما نصه: {وأرسلنا الرياح لواقح} أي تلقح السحاب فيدر ماء، وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه، فالريح كالفحل للسحاب والشجر {فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه} أي فأنزلنا من السحاب ماء عذبا، جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم {وما أنتم له بخازنين} أي لستم بقادرين علي خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار، ولو شئنا لجعلناه غائرا في الأرض فهلكتم عطشا....